فصل: التفسير المأثور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وليس في هذا الحديث ذكر القصر ولا هو في سياقه، والاحتجاج به مجرد تخمين، وأحسن ما ورد في التقدير ما رواه شعبة عن يحيى بن زيد الهنائي قال: سألت أنسًا عن قصر الصلاة؟ فقال: كان رسول الله صَلّى اللهُ عليّه وسلّم إذا خرج مسيرة ثلاثة أميال أو ثلاثة فراسخ، صلى ركعتين، والشك من شعبة، أخرجه مسلم وغيره.
فإن قلت: محل الدليل في نهي المرأة عن السفر تلك المسافة بدون محرم، هو كونه صَلّى اللهُ عليّه وسلّم سمى ذلك سفرًا، قلت: تسميته سفرًا لا تنافي تسميته ما دونه سفرًا، فقد سمى النبي صَلّى اللهُ عليّه وسلّم مسافة الثلاث سفرًا، كما سمى مسافة البريد سفرًا، في ذلك الحديث باعتبار اختلاف الرواية.
وتسمية البريد سفرًا لا ينافي تسمية ما دونه سفرًا، فإن قلت: أخرج الدارقطني والبيهقيّ والطبراني من حديث ابن عباس أنه صَلّى اللهُ عليّه وسلّم قال: «يا أهل مكة! لا تقصروا في أقل من أربعة برد»، من مكة إلى عسفان- قلت: هو ضعيف لا تقوم به الحجة، فإن في إسناده عبد الوهاب بن مجاهد بن جبر، وهو متروك، وفي المسألة مذاهب هذا أرجحها، والحاصل أن الواجب هو الرجوع إلى ما يصدق عليه اسم السفر شرعًا أو لغة، كذا في «الروضة الندية».
وفي «المصباح»: سفر الرجل سفرًا مثل طلب، خرج للارتحال.
وفي «القاموس»: قوم سفر وسافرة وأسفار وسفار: ذوو سفَر، لضدّ الحضر.
هذا وللقصر مباحث مقررة في شروح السنة. اهـ.

.من فوائد الشعراوي في الآية:

قال رحمه الله:
{وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ مِنَ الصَّلَاةِ}
والضرب في الأرض مقصود به أن يمشي المؤمن في الأرض بصلابة وعزم وقوة. والقصر في الصلاة هو اختزال الكمية العددية لركعاتها. وفي اللغة «اختصار» و«اقتصار». «الاقتصار» أن تأخذ بعضا وتترك بعضًا، و«الاختصار» هو أخذ الكل بصفة موجزة. مثال ذلك عندما نختصر كتابًا ما فنحن نوجز كل المعاني التي فيه في عدد أقل من الكلمات.
وقد يفكر إنسان في أن يكتب خطابًا، ثم يقول لنفسه: سأرسل برقية في الموضوع نفسه. وهنا لابد أن يختزل الكلمات لتحمل معاني كثيرة في ألفاظ موجزة.
والإسهاب- كما نعلم- لا يأخذ من الوقت مثلما يأخذ الإيجاز؛ فعندما يريد الإنسان الإيجاز فهو يقدح ذهنه- في وقت أطول- ليصل إلى المعاني في كلمات أقل.
ويحكى عن سعد زغلول- زعيم ثورة 1919 المصرية- أنه كتب رسالة لصديق فأطال، وأنهى رسالته بهذه الكلمات:
وإني أعتذر إليك عن التطويل فليس عندي الوقت الكافي للإيجاز. ويحكي التاريخ عن الخليفة المسلم الذي أراد أن يهدد قائد الروم.. فكتب إليه؛ أما بعد: فسآتيك بجيش أوله عندك وآخره عندي. وهكذا أوجز الخليفة حجم الخطر الداهم الذي سيواجه ملك الروم من جيش عرمرم سيملأ الأرض إلخ.
وينقل التاريخ عن أحد قادة العرب وموقفه القتالى الذي كان صعبًا في «دومة الجندل» أنه كتب إلى خالد بن الوليد كلمتين لا غيرهما «إياك أريد» ولم يقل أكثر من ذلك ليتضح من هذا الإيجاز حجم المعاناة التي يعانيها. وقد أوردنا هذا الكلام ونحن بصدد الحديث عن القصر والإيجاز.
والقصر في الصلاة هو أن يؤدي المؤمن كُلًا من صلاة الظهر والعصر والعشاء ركعتين بدلًا من أربع ركعات، أما الصبح والمغرب فكلاهما على حاله، الصبح ركعتان، والمغرب ثلاث ركعات. وحكمة مشروعية ذلك أن الصلاة في وقت الحرب تقتضي ألا ينشغل المقاتلون عن العدو، ولا ينشغلوا أيضا عن قول الحق: {إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا} [النساء: 103]
فإذا شرع الله للخوف صلاة، وللحرب صلاة فمعنى ذلك أنه لا سبيل أبدًا لأن ينسى العبد المؤمن إقامة الصلاة. وإذا كانت الصلاة واجبة في الحرب فلن تكون هناك مشاغل في الحياة أكثر من مشاغل الحرب والسيف. وصلاة الحرب- أي صلاة الخوف- جاء بها القرآن، أما صلاة السفر فقد جاءت بها السنة أيضا، وفيها يقصر المؤمن صلواته أيضًا: {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ مِنَ الصَّلاَةِ إِنْ خِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُواْ لَكُمْ عَدُوًّا مُّبِينًا} [النساء: 101]
ولو رأى الكافرون المؤمنين مصفوفين جميعًا في الصلاة فقد يهجمون عليهم هجمة واحدة. ولذلك شرع الحق قصر الصلاة.
ويكون الخطاب من بعد ذلك موجهًا للرسول صلى الله عليه وسلم: {وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاَةَ...} اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال ابن عادل:
{أن تقصروا}: هذا على حَذْفِ الخَافِضِ، أي: في أن تَقْصُرُوا، فيكونُ في مَحَلِّ «أنْ» الوَجْهَان المَشْهُوران، وهذا الجَارُّ يتعلَّقُ بلفظِ «جُنَاح» أي: فَليْسَ عَلَيْكُم جُنَاحٌ في قَصْرِ الصَّلاة.
قال الوَاحِدِيُّ: يُقَال: قَصَرَ فلان صَلاَتهُ، وأقصرها وقَصَّرَها، وكُلُّ جَائِزٌ.
والجمهور على «تَقْصُروا» من «قَصَرَ» ثلاثيًا، وقرأ ابن عبَّاس: «تُقْصِروا» من «أقْصر»، وهما لُغَتَان: قَصَر وأقْصَر، حكاهما الأزْهَرِيُّ، وقرأ الضَّبِيُّ عن رجاله بقراءة ابن عبَّاسٍ، وقرأ الزُّهري: «تُقَصِّروا» مشدِّدًا على التَّكْثِيرِ.
قوله: «من الصَّلاة» في «مِنْ» وَجْهَان:
أظهرهُما: إنها تَبْعِيضيَّةٌ، وهذا مَعْنَى قول أبي البقاء، وزعم أنه مَذْهَب سيبويه، وأنَّها صفةٌ لمَحْذُوفٍ، تقديرُه: شيئًا من الصلاة.
والثاني: أنَّها زائدةٌ، وهذا رأيُ الأخْفَش فإنه لا يَشْتَرِطُ في زِيَادتها شيئًا، و«أن يَفْتِنَكم»: مفعُول «خفِْتُم».
وقرأ عبد الله بن مَسْعُود، وأبَيُّ: «من الصَّلاة أن يفتنكُم» بإسقاط الجُمْلة الشَّرْطيّة، و«أن يفتنكُم» على هذه القراءة مَفْعُولٌ من أجْله، ولغةُ من أجْله، ولغةُ الحِجَاز: «فَتَنَ» ثُلاثيًا، وتميم وقَيْس: «أفْتَن» رُبَاعيًا.
قوله «لكم» متعلّقٌ بمَحْذُوف: لأنه حالٌ من «عَدُوّاٍ»، فإنه في الأصْل صِفَةُ نَكِرَةٍ، ثم قُدِّم عَلَيْها، وأجاز أبُو البَقَاء أن يتعلَّق بـ «كَان»، وفي المِسْألة كَلاَمٌ مرٍّ تَفْصِيلُه.
وأفْرد عَدُوًّا: وإن كَانَ المُرَادُ به الجَمْعَ لأنَّ العدُوَّ يسْتَوِي فيه الوَاحِد والجمع؛ قال تعالى: {فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لي} [الشعراء: 77] وقد تقدّم تَحْقِيقُه في البَقَرة. اهـ. بتصرف يسير.

.التفسير المأثور:

قال السيوطي:
{وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِينًا (101)}
أخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وأحمد ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وابن الجارود وابن خزيمة والطحاوي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والنحاس في ناسخه وابن حبان عن يعلى بن أمية قال «سألت عمر بن الخطاب قلت: {ليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا} وقد أمن الناس؟ فقال لي عمر: عجبت مما عجبت منه! فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال: صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته».
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد عن أبي حنظلة قال: سألت ابن عمر عن صلاة السفر؟ فقال: ركعتان. فقلت: فأين قوله تعالى: {إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا} ونحن آمنون؟ فقال: سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأخرج عبد بن حميد والنسائي وابن ماجه وابن حبان والبيهقي في سننه عن أمية بن عبد الله بن خالد بن أسد. أنه سأل ابن عمر أرأيت قصر الصلاة في السفر، أنالآنجدها في كتاب الله، إنما نجد ذكر صلاة الخوف؟! فقال ابن عمر: يا ابن أخي إن الله أرسل محمدًا صلى الله عليه وسلم ولا نعلم شيئًا، فإنما نفعل كما رأينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل، وقصر الصلاة في السفر سنة سنها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي عن حارثة بن وهب الخزاعي قال «صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم الظهر والعصر بمنى، أكثر ما كان الناس وآمنه ركعتين».
وأخرج ابن أبي شيبة والترمذي وصححه والنسائي عن ابن عباس قال: «صلينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين مكة والمدينة ونحن آمنون لا نخاف شيئًا، ركعتين».
وأخرج ابن جرير عن أبي العالية قال: سافرت إلى مكة فكنت أصلي ركعتين، فلقيني قراء من أهل هذه الناحية فقالوا: كيف تصلي؟ قلت ركعتين! قالوا أَسُنَّةٌ أو قرآن؟! قلت: كل سُنَّةٍ وقرآن صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتين. قالوا إنه كان في حرب! قلت: قال الله: {لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين محلقين رؤوسكم ومقصرين لا تخافون} [الفتح: 27] وقال: {وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة} فقرأ حتى بلغ {فإذا اطمأننتم} [النساء: 102].
وأخرج ابن أبي شيبة والترمذي وصححه والنسائي عن ابن عباس قال: «صلينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين مكة والمدينة ونحن آمنون لا نخاف شيئًا، ركعتين».
وأخرج ابن جرير عن علي قال «سأل قوم من التجار رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله إنا نضرب في الأرض فكيف نصلي؟ فأنزل الله: {وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة} ثم انقطع الوحي، فلما كان بعد ذلك بحول غزا النبي صلى الله عليه وسلم، فصلى الظهر فقال المشركون: لقد أمكنكم محمد وأصحابه من ظهورهم، هلا شددتم عليهم؟ فقال قائل منهم: إن لهم مثلها أخرى في أثرها، فأنزل الله بين الصلاتين {إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا إن الكافرين كانوا لكم عدوًا مبينًا وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة فلتقم طائفة منهم معك} إلى قوله: {إن الله أعد للكافرين عذابًا مهينًا} فنزلت صلاة الخوف».
وأخرج ابن أبي شيبة عن إبراهيم قال: قال رجل «يا رسول الله إني رجل تاجر أختلف إلى البحرين فأمره أن يصلي ركعتين».
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن أبي بن كعب أنه كان يقرأ {فاقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا} ولا يقرأ {إن خفتم} وهي في مصحف عثمان {إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا}.
وأخرج ابن جرير من طريق عمر بن عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن ابن أبي بكر الصديق قال: سمعت أبي يقول «سمعت عائشة تقول: في السفر أتموا صلاتكم. فقالوا: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي في السفر ركعتين؟ فقالت: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان في حرب، وكان يخاف هل تخافون أنتم؟!».
وأخرج ابن جرير عن ابن جريج قال «قلت لعطاء أي أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتم الصلاة في السفر؟ قال: عائشة، وسعد بن أبي وقاص».
وأخرج ابن جرير عن أمية بن عبد الله «أنه قال لعبد الله بن عمر: أنا نجد في كتاب الله قصر الصلاة في الخوف ولا نجد قصر صلاة المسافر؟ فقال عبد الله: إنا وجدنا نبينا صلى الله عليه وسلم يعمل عملًا عملنا به».